إن الظاهر القرآني حجة على الإنسان المسلم، وهذه النقطة من الأهمية، فقد أعطي الإنسان القرآن الكريم لكي يكون دستوراً له، وحتى يكون دستوراً فلا بد يكون مفهوماً بالنسبة إليه، لا يمكن أن تعطي دليل استعمال الجهاز مثلاً ويكون غير مفهوم لصاحبه، لذلك قال الله سبحانه وتعالى:(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
هناك بحث أو عدة أسئلة عند علمائنا الأفاضل حول القرآن الكريم وهي هل أن ظواهر القرآن الكريم حجة للفقيه يستطيع أن يستنبط منها الأحكام الشرعية، فإذا رأى مثلا(يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) يقول لك لفظة اغسلوا تدل على الإلزام والوجوب، فإذن غسل الوجه واجب شرعي بنص القرآن الكريم، وهذا لا يتيسر إلا إذا قلنا أن ظاهر القرآن الكريم حجة وهذا ما التزم به أغلب المسلمين من مدرسة أهل البيت(ع)ومن المدارس الإسلامية الأخرى، ولذلك فإنهم يجعلون ظواهر القرآن من الأدلة على الحكم الشرعي،نعم بعض أتباع أهل البيت(ع) من إخواننا في المدرسة الإخبارية وهي مدرسة رديفة للمدرسة الأصولية، وفيها علماء كبار بل إن أصحاب المجاميع الحديثية الكبرى هم محسوبون على هذه المدرسة، هؤلاء قالوا لا نستطيع أن نفهم القرآن الكريم، وإنما يفهمه من نزل عليهم وهم محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين، فإذن لا بد ونحن نريد فهم القرآن الكريم أن ننظر إلى أخبار وروايات أهل البيت(ع)، وهذا الكلام حسب رأي علمائنا جزء منه صحيح وجزء منه غير صحيح،فالجزء الصحيح منه لا شك ولا ريب أن العلم بكل القرآن والإحاطة بكل ما فيه، فهذا محصور في محمد وأهل بيته فلا يستطيع أحد من المسلمين كائناً من كان ، علماً وفهماً، أن يقول أنا أفهم وأحيط بعلوم القرآن الكريم ولو ادعى ذلك يمتحن ويسقط في الامتحان إلا رسول الله (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين ورثوا هذا العلم من جدهم رسول الله(ص).
فهذا المقدار من الكلام صحيح وهو أن الإحاطة بعلم القرآن من أوله إلى آخره منحصر في أهل البيت، وباقي العلماء يعلمون شيئا كثيراً من القرآن الكريم ولكن لا يحيطون بعلم القرآن كله.
والقسم الآخر الصحيح أيضاً أن أعماق القرآن الكريم وكل بطونه المختلفة إنما يعلمها النبي(ص)والأئمة المعصومون(ع) أما سائر الناس بمن فيهم العلماء المتبحرين في العلم ليسوا بهذا المقدار، هذا المقدار الصحيح من كلام إخواننا علماء المدرسة الإخبارية من الإمامية.
وأما القسم الآخر غير صحيح فإننا نجد في القرآن الكريم آيات كثيرة منه آيات محكمات هن أم الكتاب وهذه الآيات المحكمات ميسرة للناس على اختلاف منازلهم ودرجاتهم وقد أمروا أن يتدبروا فيها:(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) هذا المقدار من البحث والتشجيع والدعوة إلى الانفتاح على القرآن يعني أنه بإمكان الناس على اختلاف درجاتهم العلمية أن يتناولوا من القرآن الكريم بحسب مستوياتهم، فالفقيه يقدر على مائدة القرآن ما يشبع نهمه، وكذلك يستفيد الإنسان العامي عندما تقول له: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) هذه واضحة بالنسبة له يفهمها ،وعندما تقول له:(ولاتقربون الزنا) وأمثال ذلك،فإذا قصدت الإحاطة بالقرآن من أوله إلى آخره وبأعماقه فهذا من اختصاص أهل البيت(ع) وفي طليعتهم سيدنا محمد(ص) وإذا كان المقصود أننا لا نفهم شيئا من القرآن الكريم فهذا يخالف الوجدان،بل نجد مفسرين من مختلف المدارس الفقهية يفسرون القرآن الكريم وفي كثير من الآيات يكون تفسيرهم صائبا، وذلك أن من يعرف اللغة العربية عندما يقرأ القرآن لا يقرأ ألغازاً ،وإنما يقرأ آيات يعرف معانيها بحسب تعقله وقدرته الذهنية، إذن فظواهر القرآن الكريم بهذا المعنى حجة لذلك على المسلمين،
قالت سيدتنا الزهراء(ع): بعدما وصفت القرآن الكريم كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع تقول بينة بصائره متجلية ظواهره، هذه الظواهر والبصائر واضحة للناس يستطيع الإنسان أن يصل إليها، الله أعنا على قراءة كتابك الكريم في هذا الشهر الكريم والتمعن في آياته المحكمات.