الإمام الزكي (ع) المظهر الجلي للعبادة والزهادة:
مظاهر الكمال الأخلاقي والإنساني لآليء تزين سيرة الإمام المجتبى (ع) بما لا يدع الشك بأنه من النماذج المنقطعة النظير والمتمايزة عن بقية الناس المتصفين بالكرم وطيب التعامل وحسنه، فهذه مواقفه يشع منها النبل والكرم وبياض القلب ورقته الذي يبلسم آلام الناس وحاجاتهم على المستوى المعرفي والاقتصادي والاجتماعي، وقد وردت الروايات الشريفة عن الأئمة (ع) بما يظهر الحقيقة النورانية لشخصيته، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): حدثني أبي، عن أبيه عليه السلام: "أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حج، حجا ماشيا، وربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهقت شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنة وتعوذ به من النار) (أمال الشيخ الصدوق ص ٢٤٤).
يصف الإمام الصادق (ع) عمه الإمام المجتبى (ع) أولا بأنه اعبد الناس أي من امتاز في علاقته بالله تعالى والانقطاع إليه والسير وفق الإرادة الإلهية، فالعبودية تعني في مفهومها الشامل هو النظر لكل أمر وخطوة وموقف بعين الله تعالى ورضاه هي الغاية، وبذلك لا تقتصر العبادة على الصلاة والصدقة وتلاوة القرآن الكريم وغيرها من المظاهر العبادية، بل تشمل كل مفاصل حياة الإنسان ومنطقه ومسعاه وعلاقاته فينطبق عليها بأنها خطوات رحمانية أو شيطانية، وهكذا نفهم من إرشادات الدين الحنيف بأن كلمة المواساة والنصيحة الصادقة والتثقيف الديني والعلمي ضمن العبادة الواعية ما دام الغرض منها وجه الله تعالى، وإصلاح ذات البين بين الزوجين والأقرباء والجيران والأصدقاء وتقريب وجهات النظر ورفع الإحن والبغضاء من القلوب وتأليفها هو من صلب العبادة، والعمل الاجتماعي وتكفل أحوال الضعفاء وتقديم المساعدة المناسبة لهم هو عمل عبادي، نعم المرتكز في الأذهان وهو أن العبادة هي الصلاة وبلا شك هي لب وصلب وعمود الدين، وهي المحرك والباعث نحو نزاهة النفس وطهارتها من الرذائل، وتشكل الجدار المنيع عن الاقتراب من دائرة المحرمات والفواحش، فتمنح المؤمن حركة وسعيا نحو العمل الصالح بنية مخلصة وطلب لرضا المعبود، وحركة نزيهة وورعة عن المحارم، ولذا ورد في سيرته العبادية (ع): إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك فقال (ع): حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله)، فأي درجة عالية لا تضاهى في الورع والخشية من الله تعالى كان عليها (ع) بحيث أن فكره ووجدانه لا ينفك عن حركة جوارحه، فإذا بدأ في الوضوء كان مستحضرا لأنه يستعد للوقوف بين يدي الله تعالى، وهذا الأثر الروحي يبان على محياه متمظهرا بتغير ألوانه وشعوره بالرهبة من مقام العظمة الإلهية، وارتعاد الفرائص وتغير الألوان هو اضطراب النفس والبدن المحمود والجميل الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، وهذا الاستشعار لمقام العظمة الإلهية هو الطريق العلاجي لغياب الفكر عن معاني الصلاة وأذكارها، فيقف هنيئة قبل أن يشرع في الصلاة ليستذكر أنه يقف بين يدي الجبار الذي بيده مقاليد الأمور، فتنكسر من النفس غشاوة التكبر والأنانية والإعجاب بالذات ويذوب منها التعلق بزخارف الدنيا والافتتان بها.
والصفة الثانية التي يذكرها الإمام الصادق (ع) من صفات الإمام الحسن (ع) هي الزهادة في متاع الدنيا وزينتها وما تورثه في النفس من الطمع والجشع وصولا إلى نسيان اليوم الآخر وعدم الاستعداد له، والزهد لا يعني الانفكاك عن ملذات الدنيا وقطع العلاقة بها بالبتة، فهذا خطأ إذ العيش الكريم والسعي نحو توفير مستلزمات الحياة الكريمة من مأكل وملبس ومسكن لائق ومناسب، واضعا نصب عينيه العمل والاستعداد ليوم الحساب بهمة عالية، وهذه الدنيا حقيقتها أنها ممر ومحطة يحيا فيها الإنسان مدة معينة ثم يرحل إلى عالم الآخرة والمجازاة على ما قدمت يداه بين يدي محكمة العدل الإلهي.
لأنك مصدرنا الأول .. شاركنا أخبارك موثقة بالصور .. قضية .. مقال .. وذلك بالإرسال على رقم خدمة الواتساب 0594002003
- 2025-04-30 تشمل قطاعي السياحة والخدمات.. «أمانة الشرقية» توقع عقودًا استثمارية بأكثر من 30 مليون ريال
- 2025-04-30 “الإنذار البرتقالي في الشرقية: رياح نشطة وأتربة مثارة تحد من الرؤية الأفقية”
- 2025-04-30 نائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة بجامعة الملك فيصل
- 2025-04-30 مختص: كبار السن أكثر الفئات عرضة للاحتيال
- 2025-04-29 الأهلي يتفوق على الهلال بثلاثية ويتأهل لنهائي دوري أبطال آسيا للنخبة
- 2025-04-29 الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء.. 17 قرارًا جديدًا لمجلس الوزراء
- 2025-04-29 أشجار التوت تصبغ أيدي أبناء الأحساء
- 2025-04-29 مزايا متوقعة في ساعات أبل الجديدة
- 2025-04-29 «الداخلية»: عقوبات تصل إلى 100 ألف ريال لمخالفي أنظمة وتعليمات الحج
- 2025-04-28 جامعة الفيصل تفوز بجائزة التميز في تطوير الكفاءات الصحية
السيد فاضل علوي آل درويش
العبق الفواح من سيرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (٣)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.aldeereh.com/articles/88200.html